الدروز و دورهم في تاريخ سوريا

(وقت القراءة: 3 - 6 دقائق)

من عادات الموحدين الدروز الإخلاص لدولتهم التي يعيشون فيها ولا يطمحون للانفصال أو تشكيل جسم مستقل عن الأم سوريا. يشكل الموحدون الدروز في سوريا، ما يقدر بنحو 3.2% من السكان أي بين 700,000 إلى 800,000 نسمة. وتتركز أماكن سكناهم في جبل العرب، والذي يعتبر التجمع الأهم لهم، إذ يشكلون أغلبية سكانه، وفيه أهم مدنهم وقراهم، كالسويداء وشهبا وصلخد وغير ذلك. ولهم تواجد أيضا في محافظة القنيطرة، وجزء منهم في الجولان المحتل، وكذلك في ريف دمشق لا سيما مدينتي جرمانا وصحنايا، وكذلك في ريف إدلب حيث يتوزعون على قرابة 18 قرية في ما يسمى ب “جبل السماق”.

التوزع في سوريا

وفقا لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى اعتبارا من عام 2010، وهو العام الأخير الذي تتوفر فيه أرقام إحصائية موثوقة، وصلت أعداد الدروز في سوريا إلى حوالي 700,000 نسمة.

يعيش معظمهم في محافظة السويداء، والتي بلغ عدد سكانها حوالي 375,000 نسمة، شكل الموحدون الدروز حوالي 90% من السكان، وشكل المسيحيون حوالي 7% من السكان، وحوالي 3% من العرب السنة.

ويقيم حوالي 250,000 من الموحدين الدروز في ضواحي دمشق كجرمانا وصحنايا وجديدة عرطوز، فيما يقيم حوالي 30,000 منهم على الجانب الشرقي من جبل الشيخ، وحوالي 25,000 منهم يعيشون في أربع عشرة قرية في جبل السماق شمال شرق إدلب.

ويتوزع الدروز ما بين سورية ولبنان وفلسطين والأردن. وتشير التقديرات أن سوريا تضم بين 40% إلى 50% من مجمل الموحدون الدروز البالغ عددهم حوالي 1.5 مليون في جميع أنحاء العالم.

تاريخ وجودهم في سوريا

يرجع تاريخ الموحدين الدروز في سوريا إلى حوالي ألف عام، وكان لهم في فترة من الفترات دور أساس في المنطقة، فقد حاربوا الصليبيين في معركة حطين عام 1187، وحازوا على ثقة الأيوبيين والزنكيين الذين عززوا وجودهم في المنطقة وتسلموا الكثير من المهام القيادية.

وتابعوا المعارك لاحقا مع المماليك ضد التتار والمغول في معركة عين جالوت، ثم وقفوا إلى جانب العثمانيين ضد حملة محمد علي على بلاد الشام، وكبدوا المصريين خسائر كبيرة في جبل العرب جنوبي دمشق بقيادة الشيخ يحيى الحمدان الذي كان يحكم الجبل وقتذاك.

ثم ثار الموحدون الدروز على السلطنة العثمانية لأن الأخيرة حاولت عدة مرات السيطرة على الجبل. وفي عام 1911 أعدم العثمانيون زعماء الجبل بعد إحكام سيطرتهم عليه، وكان على رأسهم ذوقان الأطرش ويحيى عامر.

الموحدون الدروز والعلاقة مع الشريف حسين

أعلن الموحدون الدروز ولاءهم للشريف حسين وانضم المئات منهم إلى الجيش العربي، وكان الزعيم سلطان باشا الأطرش في مقدمة من رفع العلم العربي في الجبل ولاحقا في دمشق.

وهو من أرسل إلى الملك فيصل في دمشق، بعد الدخول الفرنسي، يبلغه أن الجبل مفتوح له للعمل فيه، ولتستمر حكومته بأداء دورها من السويداء، وأن المعركة مع الفرنسيين مستمرة، لكن فيصل أجابه بأن الوقت قد مضى، وغادر على متن طوربيد من شواطئ فلسطين.

وذكر منصور بن سلطان الأطرش، بحسب (الموسوعة العربية)، أن سلطان هب مع فرسانه لنجدة يوسف العظمة في معركة ميسلون، لكن المعركة كانت قد حسمت سريعا، فقال عندئذ: «خسارة معركة لا تعني الاستسلام للمحتلين»، ولذلك أرسل رسولا خاصا هو حمد البربور إلى الملك فيصل، ليقنعه بالمجيء إلى جبل العرب ومتابعة المقاومة، لكن الملك فيصل رأى أن الفرصة قد فاتت بعد أن صعد إلى ظهر الطراد البريطاني في طريقه إلى منفاه.

الموحدون الدروز ومحاربة الاحتلال الفرنسي

في عام 1925، كان للموحدين الدروز دور كبير في محاربة الاحتلال الفرنسي لسوريا، حيث رفضوا تشكيل الدولة الدرزية وأشعلوا نيران ثورة سوريا الكبرى.

وقاد الدروز الثورة الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش ضد الفرنسيين الذين سيطروا على سوريا عام 1921.

شكل دروز الجبال الجنوبية الغربية في سوريا قوة فاعلة في السياسة السورية ولعبوا دورا قياديا في الكفاح القومي ضد الفرنسيين. تحت القيادة العسكرية لسلطان باشا الأطرش، وقدموا الكثير من الوجوه العسكرية التي قادت الثورة السورية الكبرى بين عامي 1925 و1927.

وفي عام 1945، قاد سلطان الأطرش، القائد السياسي الأعلى لجبل الدروز، الوحدات العسكرية في تمرد ناجح ضد الفرنسيين، مما جعل جبل الدروز المنطقة الأولى والوحيدة في سوريا التي قامت بتحرير نفسها من الحكم الفرنسي دون مساعدة بريطانية.

وفي وصفهم يقول الجنرال الفرنسي أندريا: “الدرزي فارس ثابت، ومحارب بالفطرة، شجاعة الدرزي خارقة، مذهلة”.

الجنرال ديغول في زيارة لسلطان الأطرش في السويداء (التاريخ السوري المعاصر)

العلاقة مع الدولة

من عادات الموحدين الإخلاص لدولتهم التي يعيشون فيها ولا يطمحون للانفصال أو تشكيل جسم مستقل عن الأم سوريا.

وهو ما فعله سلطان الأطرش حين عرض عليه الاستقلال بدولة (جبل الدروز)، لكنه رفض الإغراءات وحكم عليه بالإعدام من قبل الفرنسيين ولجأ بعدها إلى وادي سرحان في الأردن ليقيم في الصحراء سنوات طويلة مع الكثيرين من المقربين منه فعاش حياة صعبة حتى تم العفو عنه بضغط شعبي انذاك، ليعود لقريته الصغيرة (القريا).

وحين قدم إليه وفد من دمشق بعيد الاستقلال يعرضون عليه أن يمارس عملا سياسيا في إدارة البلاد وكان حينها يقوم بالحراثة في بستان التفاح الذي يملكه وقال مقولة شهيرة نقلها عنه مقربون (طلعنا من الأرض ومنرجع للأرض، نحنا خلص دورنا).

الموحدون الدروز بعد الاستقلال

عند الاستقلال، توقع الموحدون الدروز، الذين اكتسبوا ثقتهم بنجاحهم، أن تكافئهم دمشق على تضحياتهم الكثيرة في ساحة المعركة. وطالبوا بالحفاظ على إدارتهم المستقلة والعديد من المزايا السياسية التي منحها لهم الفرنسيون وطلبوا مساعدة اقتصادية سخية من الحكومة المستقلة حديثا.

ولكن عندما ذكرت إحدى الصحف المحلية في عام 1945، أن الرئيس شكري القوتلي وصف الموحدين الدروز بأنهم “أقلية خطيرة”، غضب سلطان باشا الأطرش وطالب بالتراجع العام. وأعلن أنه إذا لم يكن ذلك وشيكا، فإن الدروز سيصبحون بالفعل “خطرين”، وستحتل قوة من 4,000 مقاتل درزي “مدينة دمشق”.

لم يستطع شكري القوتلي أن يستبعد تهديد سلطان باشا. حيث كان ميزان القوى العسكري في سوريا مائلا لصالح الدروز، على الأقل حتى بناء الجيش خلال حرب 1948 في فلسطين.

وحذر أحد مستشاري وزارة الدفاع السورية في عام 1946من أن الجيش السوري “عديم الفائدة”، وأن الدروز يمكنهم “الاستيلاء على دمشق والقبض على القادة الحاليين”.

العلاقة مع أديب الشيشكلي

من كانون الأول/ ديسمبر عام 1949 إلى شباط/ فبراير عام 1954، تعرض المجتمع الدرزي لهجوم شديد من قبل الحكومة السورية. حيث اعتقد الشيشكلي أن الدروزر هم الأكثر خطورة من بين خصومه العديدين في سوريا، وكان مصمما على سحقهم.

أعلن أكثر من مرة، “أعدائي مثل الثعبان: الرأس هو جبل الدروز والمعدة هي حمص والذيل هي حلب. إذا سحقت الرأس، فستموت الثعبان”.

لذلك أرسل أديب الشيشكلي 10 الاف جندي نظامي لاحتلال جبل الدروز. وقصف عدة مدن بالأسلحة الثقيلة، مما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين وتدمير العديد من المنازل. وشجع القبائل البدوية المجاورة على نهب السكان العزل وسمح لقواته بالفرار.

وشن أديب الشيشكلي حملة وحشية لتشويه سمعة الدروز بسبب دينهم وسياستهم. واتهمهم بالخيانة، وزعم أنهم عملاء للبريطانيين والهاشميين، وأنهم يقاتلون من أجل إسرائيل ضد العرب.

وكان الأمر الأكثر إيلاما بالنسبة للمجتمع الدرزي هو نشره “للنصوص الدرزية الدينية المزيفة” وشهادات كاذبة تنسب إلى كبار شيوخ الدروز بهدف إثارة الكراهية الطائفية.

اغتيل أديب الشيشكلي في البرازيل عام 1964 على يد شخص درزي سعيا للانتقام من قصف الشيشكلي لجبل الدروز.

المصادر:

(حافظ قرقوط، الموحدون الدروز/ أنور ياسين، بين العقل والنبي/ سامح عسك، أهل القران (الدروز)، هاينز هالم، الفاطميون وتقاليدهم/ فياض سكيكر، (الموحدون الدروز)/ وجيه كوثراني، بلاد الشام في مطلع القرن العشرين/ د .رمزي حلبي، دالية الكرمل)/ نسيب أسعد الأسعد، كشف الستر).


طباعة   البريد الإلكتروني